الخميس، 15 سبتمبر 2011

{ الفراشات } الفوائد السبعة ..... لمن غض يصره


 
الفوائد السبعة ..... لمن غض بصره
 
امتثالاً لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد في
دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في
الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا
بتضييع أوامره 
يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه 

 أنه يورث القلب أنساً بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب
ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع
الوحشة بين العبد وبين ربه 
يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه 

أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر الله آية النور
عقيب الأمر بغض البصر ، فقال : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم 
ثم قال اثر ذلك : الله نور السماوات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا
استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت
سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى 
واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما
يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي
يجوس في حنادس الظلام 
 
أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق
والكاذب ، وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه
بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل
الحلال لم تخطئ له فراسة ، وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة 

 أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة
وسلطان القدرة والقور ، كما في الأثر : الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله  
وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها
، وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم
البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم ، أبى الله إلا
أن يذل من عصاه 
، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته 
فقال تعالى : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، وقال تعالى : ولا تهنوا ولا
تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين
  ، والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن
وقال تعالى : من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ، إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه
  ، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من
الكلم الطيب والعمل الصالح ، وفي دعاء القنوت :  إنه لا يذل من واليت ولا يعز
من عاديت
، ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه ، وله من العز سب طاعته ، ومن
عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وعليه من الذل بحسب معصيته 
 
أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى
القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور عليه
ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار
الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة 
فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك
الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ، فهو وسطها
كالشاة في وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة : أن
جعل لهم في البرزخ تنوراُ من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ، أراها
الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في المنام في الحديث المتفق على صحته 
 
أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه
ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر
ربه ، قال تعالى :  ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره
فُرُطَاً
، وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه 
 
 
أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر
، يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد
القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد ، وصار
كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ ، فلا يصلح لسكنى معرفة
الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه ، وإنما يسكن فيه أضداد
ذلك 
المرجع : الجواب الكافي
للإمام : ابن القيِّم بن الجوزيه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق