الأحد، 16 أكتوبر 2011

{ الفراشات } لا تَلْتَفِتْ لِبُنَيَّاتِ الطَّرِيق






الطريق وبُنَيّاتُهَا

يحكى أن الأمير ابن طولون أراد أن يؤدّب ولده ، وكان الولد أكولاً نهماً ؛ فأرسل

الوزيرَ في ساعة من الليل, وقال له : ائتني به فوراً , ولا تسمح له بأكل شيء قبل أن

تشخصه إليّ ، ذهب الوزير, وقال للولد : أجب الأمير ، قال أمهلني قليلاً لآكل ، قال : أجب

الأمير فوراً على هيئتك الآن ، وذهب الولد ، فجلس في قاعة انتظار حتى طال به الجلوس

واشتد به الجوع ، قال والده : أدخلوه الغرفة ؛ فدخل ووجد على الخوان ألواناً من الأطعمة

اليسيرة التي نسميها (مقبّلات) الجرجير والبقول والسلطات وما شابه ، فوقع عليها أكلاً

حتى شبع وهدأت نفسه ، ثم أمر الأمير أن يؤذن للولد على مائدة من أجود أنواع الأطعمة

مما لذ وطاب من الوجبات الرئيسة ، وعليها الأمير ووزراؤه وحاشيته ، فأكلوا وانقبض الولد ..

سأله أبوه : لماذا لا تأكل ؟ قال : قد شبعت ، ولم أعلم أن ثمت طعاماً آخر هو ألذ وأطيب ..

قال الأمير : إنما أحضرتك لألقنك درساً في حياتك ، ليس لك إلا بطن واحد, فإذا ملأته

بالبقول والأطعمة الأولية؛ لم تجد نفسك في الطعام الذي هو أكثر نفعاً وأعظم لذة ، وهكذا

إذا ملأت وقتك بالأمور الصغيرة ضاق عن جلائل الأعمال وفضائلها .. (العقد الفريد)



أرى في درس ابن طولون بعداً أوسع يتعلق بالاهتمام والتفكير ، الذي هو محرك العمل

ودافعه في حياة الإنسان ، فإذا سيطرت على المرء انشغالات ذهنية جانبية أو صغيرة أو

جزئية واهتم بها ، أصبحت مدار الإنجاز؛ فيها يفكر ، وعنها يبحث ، وحولها يحاور ، ولا يضرب

المثل إلا بها ، وقد يتحدث عن غيرها وهو يريد أن يجر الحديث إليها ، مثل ذلك الساذج الذي

ذهب إلى كاتب العرائض, وقال له : اكتب لي عريضة للمسؤول, وحاول أن تضع فيها كلمة

(ولا سيما)! لقد سمع هذه الكلمة وراقت له ، فأحسّ أنها تعطي للمعروض قيمة زائدة ..




ليس للمرء إلا عقل واحد ، وقلب واحد 
(مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ،


وليس صحيحاً أن المرء كلما عوتب في الإفراط في التفاصيل الحياتية أو اللغوية أو

الاجتماعية قال : لا تعارض نهتم بهذا وهذا ..

نظرياً لا تعارض ، بيد أنه من الجهة العملية طاقة الإنسان محدودة ، وإذا صرف هذه الطاقة

في أمرٍ ، فلن يستطيع صرفها مرة أخرى ، وفي الوقت ذاته في أمر أهم أو أعظم .

ولا تعارض بين هذا ومبدأ آخر تصل به ، وهو التخصص ؛ فإن تخصص الإنسان في شيء

مدعاة إلى المعرفة والفهم والإبداع وتحصيل الخبرة ، وكل ميسر لما خلق له .

لكن من طبيعة المتخصص أن يدري أن الناس ليسوا كلهم مثله ، و لا يحسن أن يكونوا

كذلك ، ويؤمن بأن في الناس من هو معني بأمور أكبر وأعظم مما يشغله هو ، لكنه مال

لتخصصه ؛ لأنه يتناسب مع طبعه أو شخصيته .

.
.
ومن شأن المتخصص أن يقتصد في الحديث أو المداخلة أو المعارضة في

المسائل التي لا تدخل في اختصاصه ، إلا فيما هو قدر عام يشترك فيه الناس .

عليه أن يملأ عقله بجلائل الأفكار وعظائمها ، وأن يملأ قلبه

بعظيم المشاعر ولطيفها وحسنها وأن يدع الحواشي للحواشي !

وكما قال المتنبي :
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ ** وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها ** وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ




وضع معلم ذكي دلوا على طاولة, وأحضر عددا من الصخور الكبيرة ووضعها في الدلو

بعناية، وعندما امتلأ, سأل طلابه: هل امتلأ الدلو؟ قال الطلاب: نعم.

فسحب كيسا مليئا بالحصيات الصغيرة, ووضعها في الدلو حتى امتلأت الفراغات بين

الصخور الكبيرة .... ثم سأل مرة أخرى: هل امتلأ الدلو ؟ قال الطلاب بيقين: نعم.

أخرج المعلم كيسا من الرمل, ثم سكبه في الدلو حتى امتلأت جميع الفراغات بين

الصخور ..ثم سأل مرة أخرى : هل امتلأ الدلو الآن ؟

أجاب الطلاب دون تردد : نعم امتلأ الدلو!!

فأحضر المعلم إناء مليئا بالماء, وسكبه في الدلو حتى امتلأ.

ثم قال لطلابه: هكذا العقل والوقت والحياة ؛ لو لم نهتمّ بالصخور

الكبيرة أولا، ما كان بإمكاننا وضعها أبدا فكل له موضعه ووقته
.
 

           

 

--
 




         
                               
                      




                                   اترك تعليق هنا
                                       





                                                                                   


                             

--
Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ♥Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ♥Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ
 
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعات Google‏ مجموعة "الفراشات".
لتقييم رسائلنا انقر على الوصلة التالية
http://www.grank.com/in.php?id=zhoor33
 
الرسائل تعبر عن رأي مرسلها و ليس رأي المجموعة
 
لإرسال رسالة إلى هذه المجموعة، قم بإرسال بريد إلكتروني إلى
butterflies-group7716@googlegroups.com
 
للاشتراك في هذه المجموعة قم بإرسال بريد إلكتروني إلى
butterflies-group7716+subscribe@googlegroups.com
 
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة، ابعث برسالة إلكترونية إلى
butterflies-group7716+unsubscribe@googlegroups.com
 
Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ♥Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ♥Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ♥ Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ
 
لخيارات أكثر، الرجاء زيارة المجموعة على
http://groups.google.com.sa/group/butterflies-group7716?hl=ar
 
رسائلنا لإسعادكم لا لإزعاجكم
اذا واجهتم اي مشكلة في الغاء الاشتراك ارسل الى مدير المجموعة طلب الغاء الاشتراك على العنوان التالي
butterflies.group7@gmail.com
وسوف يتم فورا الغاء اشتراككم فرضائكم هدفنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق