الأربعاء، 4 يوليو 2012

{ الفراشات } كيف ينام - أحمد حسن الزعبي


Writer name

كيف ينام


أحمد حسن الزعبي

من المقالات التي نشرها الكاتب المبدع في صحيفة الرأي الأردنية

كان أكبر مبلغ نقدي أحمله في حياتي .. في الشارع الخلفي لـ «سوبر ماركت جيسكو»، التقيت بتاجر موريتاني يدعى «حسن ولد جد» ، وتحت لمبة الشارع - امام الله وخلق الله - عد عشرة ألاف درهم إمارتي /2000  دينار اردني / وطلب مني أن أسلمها لمحاسب الشركة التي أعمل بها كدفعة أولى من اجور شحن حاويات الى نواكشوط .. أخذت المبلغ تحت ابطي وفي أقل من دقيقة كنت مختبئا في غرفتي

أخرجت الحقيبة الجلدية من تحت سريري - منتفخة وعريضة كحقيبة المطهّر- عددت المبلغ من جديد ثم وضعته بين الأوراق ومزيل العرق ومحارم الجيب ودفتر الأجندة الذي لم اكتب عليه حرفا واحدا ، ثم انزلتها تحت السرير واستلقيت فوقها بكامل جثتي بعد ان أضفيت اللحاف حتى لامس «الموكيت» .. بعد لحظات هُيء لي ان الباب الخارجي يُفتح ، قفزت مسرعاً ثم اغلقت باب الشقة 3 طقات ، كما قمت
بإقفال باب غرفتي 3 طقات أيضا... وعدت للتفكير، الامانة جدا ثقيلة !! يا رب .. متى سيخرج الصباح لأسلمها لأصحابها ؟؟ 


سادت لحظات من القلق .. تذكرت بعدها ان وجود المبلغ بالحقيبة وبهذه الكيفية أصلا خطأ .. فلا بد من وضعه في مكان لا يفكر السارق بالوصول اليه...اخرجته من بين الأوراق والمحارم ، ووضعته بين الفرشة الاسفنجية وهيكل السرير .. ثم استلقيت من جديد ..عاد الشيطان يوسوس ثانية ..(حتى جدتي تعرف هذا المخبأ التقليدي والمألوف) قلت في نفسي

لذا عدت و اخرجته ثانية ووضعته في حضني وبدأت افكر كيف أوصله للشركة سالماً غير ناقص فلساً واحداً ... وجدتها أخيرا قلت سأضعه بين غياراتي الداخلية ، فهي غير ملفتة اصلاً ومعظمها « قديم ومخزّق » !!.. وضعتها في احدى القطع البالية أسفل رف الملابس .. ثم نمت ..!!.. المشكلة انه كلما تثاءب « باكستاني » في الشارع او عطس « افريقي » أو اغلقت    « روسية» شباكها كنت اصحو من نومي مثل المجنون وأتفقّد المبلغ من بين الشبَّاحات و
« الشورتات» !!. لا ادري لماذا كنت اتخيل ان كل دبي من القصيص الى العوير.. تعرف ان معي عشرة الاف درهم أمانة !! وان ثمة محاولات من جنسيات مختلفة تخطط للسطو المسلّح واخذ المبلغ والفرار من وجه العدالة

في الصباح الباكر، كانت شعيرات عيني قد تضخمت من السهر، و جفناي السفليان اندلقا وارتخيا حتى منتصف وجهي من فرط النعاس مشيت مُحْدَوْدَبَ الظهر مهلهل الهيئة والقوام وبيدي الحقيبة ، اخرجت المبلغ ووضعته أمام المحاسب ، بانتظار التأكد منه ... لكنه اشار لي بالانصراف بينما بقي ملهياً بعدُّ عشرات الرزم من الدولارات احتاج إلى 3000 سنة ضوئية حتى اقبض واحدة منها ..عدت الى بيتي .. أخذت حبتي « بنادول » .. سويت وسادة غبائي .. ونمت نهاري الطويل .. فقد ادركت لاحقاً ان المبالغة بــ
«الأمانة » في زمن الاستهتار والغرور
جُنونٌ وهَبَلٌ

***
مبلغ صغير ... حرمني من النوم ليلة كاملة !!!... تُرى هل ينام من يحمل وطناً ....  بمستقبله ... وغضبه ... وأوجاعه ... وأنَّات فقرائه ....؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق